قلوب يكسوها الثلج
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قلوب يكسوها الثلج
بسم الله
الحمدلله
هذه قصة واقعية سمعتها من طرف بطلتها
فأحببت أن تعيشوا معي تلك المشاعر التي أحسستها عند سماعي لها
الحمدلله
هذه قصة واقعية سمعتها من طرف بطلتها
فأحببت أن تعيشوا معي تلك المشاعر التي أحسستها عند سماعي لها
قلوب يكسوها الثلج
ــ 1 ــ
استيقظت عالية كعادتها مع لحظات السحر الأولى ,
أدت الصلاة وأكملت بعض الأعمال المنزلية الخفيفة التي تفضل القيام بها ,
ثم أسرعت إلى فناء دارها الواقع على تلة مرتفعة تحيط بها الحياة البكر الأولى يخالطها شيء من المدنية المتسللة بسرعة ..
أطلت عالية من جدار فنائها القصير على أغنامها القليلة المتناثرة هنا وهناك ,
كانت ترقبها بفرح غامر ..
جمعت في صدرها كمية وافرة من نسيم الصبح المنعش لتقذفه مرة أخرى يخالطه بقايا هموم عالقة في القلب
الجدة عالية ذات السبعين خريفا تقريبا قد خط الزمان على وجهها حفرا عميقة عمق ذكرياتها البائدة
إلا أن وجهها ذا الملامح الحادة لازال يظهر جمالا خجلا لم يستطع طول الزمان أن يمحيه .
كانت لا تزال ترقب أغنامها عندما بدأ نتاج جهدها وتعبها ـ أولادها الشبان الستة ـ يخرجون من منازلهم قاصدين أعمالهم ,
فيزورونها ملقين عليها تحية الصباح ومقبلين رأسها الشامخ ويديها التي كم تشققت وعانت في صمت حتى أصبحوا رجالا يُشار إليهم بالبنان ,
فتبادلهم بتحية تطوي تحتها حنانا متدفقا عانت من شحه في طفولتها الغضة ,
وترمقهم بنظرات أم مازالت ترى شبانها أطفالا لابد من أن تحتويهم أكفها ,
يبتعدون مغادرين نحو أعمالهم وقد خلفوا لها براعم صغارا عادت تربيهم من جديد وترعاهم بفرح مجزلة عليها حبا يشبه حبها لآبائهم وكأنها لازالت أما جديدة
لكن لأطفال جدد
تلوح لهم بيدها المتجعدة
مشنفة آذانهم بدعواتها الملحة بالتوفيق والرضا ..
كادت تلج دارها وهي تسوق أحفادها الصغار لولا أنها تذكرت شيئا مهما
فعادت أدراجها مسرعة لتنادي أحد أبنائها:
ــ عبد الرحمن لا تنسى يا بني موعدنا فقد مضت أسابيع طويلة بعد آخر زيارة لخالتك معالي وقد اشتقت لرؤيتها
, كما أن خالي علي قد غادر المشفى قبل أيام وأود عيادته
ــ حسنا أمي سأعود في الساعة الثانية ظهرا وسنغادر حالا إن شاء الله وإلى ذلك الوقت أعدي نفسك فنحن نحتاج لساعة تقريبا حتى نصل ..
وكما هي عادة عبد الرحمن صاحب الروح المرحة فقد قبض كفّه ومدّ سبابته على أنفه وهو يحادث أمه وانحنى بجذعه قليلا إمعانا منه في طاعتها.
غادر عبد الرحمن يحمل قدرا وافرا من الدعوات التي لن يردها الله بإذنه تعالى
فهي دعوة أم لولد بار .
كان دائما يحصد قدرا أعلى من الدعوات ليس لأنه أبرّهم فقد كان الجميع يتسابق لبرّها
لكن ربما لأن مدة رضاعه امتدت إلى ما بعد الحولين دونا عن أخوته
والذين وجدوه سببا وجيها ليسمعونه تعليقاتهم الساخرة من فترة لأخرى
سبب آخر يجعل أم عبد الرحمن تخصه بالدعوات ,
فقد كان بلا أولاد رغم مرور السنوات العشر على زواجه
ورغم ذلك كان مرحا دائما ..
هذا ما يفعله الرضا بأصحابه ..
عاد الجميع للمنزل بعد إطعامهم للعصافير المغردة على حديقة دارها الجميل
لينعموا بوجبة إفطار لذيذة أعدتها زوجة ابنها البكر والتي كانت بنتا لم تلدها
ــ 2 ــ
مرت ساعات الصباح الأولى التي فاح عبق عبيرها في الأرجاء لتحل بدلا منها لحظات الضحى المشرقة
وعالية لا زالت تستثني بضع لحظات خاطفة إلى فنائها ترقب غنيماتها باهتمام
كان الحرص صفة طاغية على شخصيتها
ربما خلفت لها السنين العجاف تلك الصفة
حتى أنه بعض الأحيان قد يجاوز الحد الطبيعي
كانت سيدة قوية جابهت حياتها الصعبة بصمودها الشاهق فاستطاعت أن تصل
رغم ذلك كانت قلبا يموج بالحنان والحب كما تموج عيناها دائما بالقطرات
تركض مع أحفادها كطفلة مقبلة تعيش دفء الأسرة الحانية
تلاعبهم وكأنها تريد أن تعيش طفولتها الغضة من جديد التي حُرمتها
مرت الساعات وسط صراخ الأطفال وضحكاتهم سريعة
فهاهو ذلك الصوت الشجي يصدح في الآفاق مرددا كلمات عظيمة يخبت لها الشجر والحجر وقليل من البشر,
جلجل الأذان معلنا دخول صلاة الظهر ,
عندها قامت عالية تسبغ على أعضائها الماء ذاكرة ربها مبتهلة إليه شاكرة إياه سبحانه على نعمائه تتأهب للوقف بين يديه سبحانه ,
وبعد أن فرغت من مناجاتها لربها بدأت تعد نفسها للزيارة المرتقبة
بدأت رياحين قلبها بالتوافد من أعمالهم واحدا تلو الآخر
يتوافدون على عالية مقبلين يديها طالبين رضاها مصطحبين براعمهم الغضة لترتاح عالية قليلا من عناء الاهتمام بهم
كان البعض يلوح لجدته بيده الصغيرة مودعا لها
إلا أن الأمر لا يخلو أحيانا من تمرد احدهم فيرفض المغادرة مفضلا البقاء في حضن جدته الحنون , وسرعان ما تدافع عالية عن رغبته فتبقيه في حجرها
هذه المرة غادروا جميعهم بعد وعود حثيثة بشراء الحلوى
هكذا هم الأطفال يبيعون ودَّك بعرض من الدنيا قليل
عند الساعة الثانية كانت عالية قد استعدت تماما
حتى أنها قد وضعت عباءتها الجديدة بجانبها استعدادا للمغادرة ,
هي هكذا دائما سيدة تعرف قيمة الوقت ,
لحظات فقط وتسمع بوق مركبة عبد الرحمن يستحثها للخروج فتبادر مسرعة
ارتقت عالية لتركب إلى جانب ابنها ملقية عليه التحية ليدور بينهما حوار لطيف عن الحال والأحوال
مضت مركبة عبد الرحمن تطوي الأرض طيا مبرهنة قدرة الله سبحانه فما كانوا ليستطيعوا لولا فضل الله
مرت ساعات الصباح الأولى التي فاح عبق عبيرها في الأرجاء لتحل بدلا منها لحظات الضحى المشرقة
وعالية لا زالت تستثني بضع لحظات خاطفة إلى فنائها ترقب غنيماتها باهتمام
كان الحرص صفة طاغية على شخصيتها
ربما خلفت لها السنين العجاف تلك الصفة
حتى أنه بعض الأحيان قد يجاوز الحد الطبيعي
كانت سيدة قوية جابهت حياتها الصعبة بصمودها الشاهق فاستطاعت أن تصل
رغم ذلك كانت قلبا يموج بالحنان والحب كما تموج عيناها دائما بالقطرات
تركض مع أحفادها كطفلة مقبلة تعيش دفء الأسرة الحانية
تلاعبهم وكأنها تريد أن تعيش طفولتها الغضة من جديد التي حُرمتها
مرت الساعات وسط صراخ الأطفال وضحكاتهم سريعة
فهاهو ذلك الصوت الشجي يصدح في الآفاق مرددا كلمات عظيمة يخبت لها الشجر والحجر وقليل من البشر,
جلجل الأذان معلنا دخول صلاة الظهر ,
عندها قامت عالية تسبغ على أعضائها الماء ذاكرة ربها مبتهلة إليه شاكرة إياه سبحانه على نعمائه تتأهب للوقف بين يديه سبحانه ,
وبعد أن فرغت من مناجاتها لربها بدأت تعد نفسها للزيارة المرتقبة
بدأت رياحين قلبها بالتوافد من أعمالهم واحدا تلو الآخر
يتوافدون على عالية مقبلين يديها طالبين رضاها مصطحبين براعمهم الغضة لترتاح عالية قليلا من عناء الاهتمام بهم
كان البعض يلوح لجدته بيده الصغيرة مودعا لها
إلا أن الأمر لا يخلو أحيانا من تمرد احدهم فيرفض المغادرة مفضلا البقاء في حضن جدته الحنون , وسرعان ما تدافع عالية عن رغبته فتبقيه في حجرها
هذه المرة غادروا جميعهم بعد وعود حثيثة بشراء الحلوى
هكذا هم الأطفال يبيعون ودَّك بعرض من الدنيا قليل
عند الساعة الثانية كانت عالية قد استعدت تماما
حتى أنها قد وضعت عباءتها الجديدة بجانبها استعدادا للمغادرة ,
هي هكذا دائما سيدة تعرف قيمة الوقت ,
لحظات فقط وتسمع بوق مركبة عبد الرحمن يستحثها للخروج فتبادر مسرعة
ارتقت عالية لتركب إلى جانب ابنها ملقية عليه التحية ليدور بينهما حوار لطيف عن الحال والأحوال
مضت مركبة عبد الرحمن تطوي الأرض طيا مبرهنة قدرة الله سبحانه فما كانوا ليستطيعوا لولا فضل الله
ــ 3 ــ
انقطع الطريق المعبد لينجلي لهم وادٍ عملاق تحتضنه أرض تهامة الحبيبة
كانت الحياة فيه غضّة في مهدها لم تدنسها يد المدنية المصطنعة
سهل حجري ممتد أفقه إلى مالا نهاية
لا يشقه سوى مجرى صغير قد جف معينه
تتناثر على أرجاءه منازل متواضعة قد تنافرت عن بعضها في غضب
وتنتصب خلاله أشجار السدر العملاقة التي تحتضن بعمق أعشاش العصافير المغردة
والسمر الحانية التي لازالت شامخة منذ تلك الأزمان الغابرة
وجبال شاهقة كادت تعانق السماء تسد الأفق تقبع في سكون لا يبدده سوى صرخات الطيور الجارحة التي استوطنت المكان منذ زمن بعيد عندما غادر تلك الديار معظم أهلها
رفعت عالية خمارها وهمست :
هذا هو وطني
صمت يخيم على الوادي وصمت يخيم في قلب عالية
وهدوء يلف الأرجاء لا يكتسحه سوى بزوغ ذكرى مؤلمة وخيال غابر لطفلة صغيرة تتراءى من بين الصخور
يلف جسدها النحيل ثياب بالية قد علقت ذرات الغبار بوجهها الشاحب
وعيناها الصغيرتان التي فقدت بريقها تحبس دمعتين متحجرتين
وشعرها المموج يظهر بخجل من تحت خمار ممزق مغبّر لُف بعفوية على رأسها
تسوق قطيعا وافرا من الأغنام
تركض هنا وهناك محيطة أغنامها بحرص شديد حتى لا تفقد منها شيء
كانت ترمق الصغيرات يتراكضن هنا وهناك وشفتاها تكشف عن ابتسامة ترفض أن ترتسم على ثغرها الصغير سرعان ما يبددها صراخ أغنامها
ليطبق ثغرها عن شكوى عريضة لقسوة الإنسان
عاد الهدوء من جديد ليخترقه هذه المرة دمعة حارقة هوت على وجنة عالية لاحظها عبد الرحمن في ذهول
فالآن فقط كان الجو مرحا
بادر عبد الرحمن أمه باستفهام قد رسم خلفه تعجبا يطلب تفسيرا:
ــ ما الذي أبكاك يا أم عبد الرحمن ؟!!!
غصّة عظيمة منعت حروفها من الانطلاق لبرهة سرعان ما بلعتها عالية لتسرد على ريحانة قلبها ذكريات طفولتها المعذبة
أحس عبد الرحمن رغبة أمه القوية للبوح فتأهب للإنصات
نظر لأمه يهز رأسه يستحثها على الحديث:
ـــ كلما مررت من هنا قفزت لذهني ذكريات طفولتي المؤلمة
كنا يا بني ثلاث شقيقات كلنا ننتمي لعالم الطفولة الذي لم نجده...
معالي التي كانت في التاسعة تقريبا وأنا في السابعة وزاهرة أصغرنا وكانت في الخامسة(رحمها الله )..
غصّة أخرى بلعتها عالية ثم أردفت :
ــ عشنا حياة اليتم وذقنا جميع ألوانه إن كان له ألوان رغم أني أخاله فقد كل ألوان الحياة
فقدنا حنان الأم الدافئ بعد ولادة زاهرة ولم تستطع ذاكرتنا أن ترسم لوالدتنا صورة سوى ما نراه في ملامح بعضنا
وما لبث والدي أن لحق بها سريعا
أذكر صورة ضبابية لوالدي يكتنفها غموض ملامحه وهو يحملني على كتفه متوجها بي للوادي ليملأ قربتنا وليحملها على كتفه الآخر
لم أعلم بموته إلا عندما فقدت لمساته ويداه التي طالما حملتني
كما أنني رأيت أختي معالي تسير باكية وأنا أتبعها مقلدة بكائها ثم أضحك عليها وهي تبكي
لم أكن أعرف ما معنى الموت ...
ما معنى الرحيل...
مامعنى اليتم ....
لاحقا عرفت ذلك
اللهم اغفر لي ولوالدي
تتدحرج من مقلتيها دمعتين حارقتين تبادر لمسحها بخمارها وتردف:
ــ بعد وفاة والدنا قرر أقربائنا أن ترعى كل عائلة طفلة منا
وهكذا فعلوا
ثم افترقنا
كلٌ إلى مقرها الجديد بعد أن فقدنا لحظات الدفء الشحيحة التي كان يوفرها لنا قربنا من بعضنا
كان عمي عبد الله هو المتكفل بي وهو الكبير في العائلة التي تعود له مقاليد الأمور
كان رجلا قاسيا جافا لم تعرف الرحمة إلى قلبه طريقا
أجبرنا نحن الثلاث على العمل حيث أوكل لكل واحدة منا قطيعا ترعاه
حتى أنه لم يرحم صغر سن زاهرة فجعل لها قطيعا أيضا
تداركنا الأمر وصرت أنا ومعالي نهتم بقطيع زاهرة
نغدو في الصباح الباكر ولا نعود إلا عندما تلقي شمس الأصيل خيوطها الذهبية على الوادي معلنة رحيل يوم آفل
وبالرغم من ذلك كنا نفرح كثيرا لأننا نعوض لحظات فراقنا ونحاول لملمة أشلاء أسرتنا الصغيرة الممزقة
رغم اليتم إلا أن هناك مساحات فرح ضيقة نمارسها
نقتطع وقتا وافرا للعب نركض معا في كل مكان
وأيضا لم نعدم يدا حانية تتلمسنا برأفة من فترة لأخرى هي يد خالي علي الذي كان دائما ما يجابه عمي من أجلنا
صحيح أنه لم يغير من حالنا شيء إلا أنه كان يحاول
أطلقت عالية لعينيها العنان فصارت مقلتها تموج بقطرات غزيرة تركت لها حرية الانحدار :
ــ تزوج عمي عبد الله بعد أن باع ممتلكاتنا التي ورثناها عن أبينا وهذا ما عرفناه فيما بعد
وضننا أن الأمر سيختلف
إلا أن عمي كان يزداد وحشية أكثر وأكثر
في أحد الأيام كنا نرعى أنا وأختاي
وفي لحظات لهونا البريئة تسلل أحدهم ليسرق أحد أغنام القطيع الذي تحرسه زاهرة الصغيرة بحثنا في كل مكان فلم نجد له أثرا ..
تمنينا لو أن شمس ذلك النهار لا تغرب لتكون أيام العمر كلها عشايا
لكن الشمس تلاشت رغما عنا مودعة ربما أو منكسرة
لا أعلم
لكننا أحسسنا أن الشمس تتكلم
لملمنا ما بقي من القطيع وسرنا به إلى منازلنا دون أن نخبر أحدا بما حدث
ونمنا ليلة قلقة أنا ومعالي يتراءى لنا المصير الذي ينتظرنا لو علم عمي عبدا لله بما حصل
غفونا رغما عنا
ولم نستيقظ إلا في صباح يوم جديد يحمل ألما جديدا
وكعادتنا توجهنا للمرعى نحن الثلاث تتهاوى أرجلنا بثقل على الأرض
إلا زاهرة فقد كانت مرحة كعادتها
لأنها لم تكن بذلك القدر من الوعي الذي يمكنها من قراءة مصيرها
لكننا ذلك اليوم أكثر حرصا وانتباها بعد أن حرّمنا على أنفسنا لحظات المرح التي كنا ننعم بها كل يوم
في عشية ذلك اليوم جاءنا أحدهم ليصطحب زاهرة فقد كان عمي عبد الله يطلبها
عرفنا أن الأمر قد كُشف وأن هناك عقابا شديدا ينتظر زاهرة المسكينة
جثونا أمامه باكيات نرفض تسليمها
وأمام ضعفنا سُحبت زاهرة من بين أيدينا قهرا نرمقها وترمقنا من بعيد
حتى اختفت
صمتت عالية قليلا لتلملم أشلاء نفسها المبعثرة ولتمسح سيلا متدفقا من الدموع يتصارع على وجنتيها
ــ وعندما ودعتنا شمس الأصيل عدنا لبيوتنا لنفاجأ بالناس أمامنا وهم يتهامسون بينهم بتمتمات لم نفهمها
وبعص النسوة يبكين وخاصة عندما وصلنا
وخالي علي تلمع عيناه بدموع نراها لأول مرة
لقد ماتت زاهرة ـ
انفجرت عالية تنتحب وكأن ذلك اليوم البئيس واقف أمامها تعيش أحداثه من جديد
هذه المرة استدعت دمعات غزيرة من مقلتي عبد الرحمن الواسعتان عسلية اللون والتي ورثها عن والده وبات يشاركها البكاء بصمت وقد ركّز عينيه على طريق ذلك الوادي المتوحش الذي يشقه مع إحدى ساكنيه يوما وادٍ مقيت يغتال بوحشية أرواح الأطفال الغضة
كان يود لو يقول لها كفى أماه فما عاد قلبي يقوى
لكنه ضل صامتا ينصت, ساكنا لا يحرّك إلا يداه على المقود ودموع تتدحرج على وجنتيه أعطاها هي الأخرى مطلق الحرية في ذلك
وبعد أن هدأت عالية قليلا تابعت :
ــ لا نعلم يا بني كيف رحلت تلك الليلة التي كانت تقبع على أرواحنا كأحد جبال هذا الوادي
فالآن فقط عرفت معنى الموت الذي يحرمك من الاستمتاع بلحظات الفرح مع من تحب
أصبحنا نخاف الموت حقا يا بني
أمام وحشية عمي لم نستطع سوى أن نمارس أعمالنا بصمت
رغم إحساس عنيف بالتمرد لكنه ظل مختبئا يخاف الظهور
هذه المرة ألحدنا مع زاهرة عالم الطفولة المرح وأهلنا عليه التراب ليموت مع أختي للأبد ولنلج باب حياة الشقاء والحزن التي ضننا أنها أبدية
رفضنا التسليم برحيل زاهرة
بحثنا عنها في كل مكان كانت تختبئ به عندما نلعب معا
حتى أننا كنا نبحث عن آثار أقدامها في الوادي ونتتبعها علها تحملنا إليها
لكن زاهرة لم تعد منذ ذلك اليوم
سارت الأيام ثقيلة كئيبة قد فقدنا لذة الإحساس بالحياة
نستقبل يوم جديد ونودع شمس آفلة
حتى عدنا ذات يوم لنفاجأ بعمي عبد الله يقف إلى جانب رجل غريب لم نعرفه
[center]عندما وصلنا جذب عمي يد معالي بقوة ودفعها لإحدى الغرف وسط ذهولنا
وبعد لحظة أُخرجت تحمل في يديها كومة صغيرة من الثياب التي دُحشت داخل قطعة قماش رُبطت بإحكام
طلب عمي من معالي الذهاب مع ذلك الرجل الذي تبين لاحقا أنه زوجها
معالي رفضت الانصياع لأوامر عمي فتوجه نحوها وجذبها بقوة حاملا إياها بعنف ثم رمى بها على ناقة كان قد جاء بها ذلك الرجل معه
كانت تصيح وتقاوم بشدة لكن عمي أوثقها بحبال غليظة لم تستطع إحلالها
واصطحب الرجل الغريب أختي وذهبوا
وهي تنتحب
وأنا صامتة
خدعت لفراشي تلك الليلة ونمت بعمق بعد أن بللت وسادتي بدموعي
مستسلمة لآلام آتية تقبع في رحم المجهول
في الصباح سُقت أغنامي وتوجهت للوادي وحيدة ودموعي تعاودوني من فترة لأخرى
كنت واجمة طوال الوقت أنظر للأفق دون أن أرى شيئا ولا أسمع شيئا وكأن الحياة قد فقدت ألوانها وحياتها هي أبضا
تراءى لي من الأفق طيف زاهرة ومعالي وأمي وأبي
يركضون نحوي وصدى ضحكاتهم يرددها كل جماد في ذلك الوادي المهيب
وفجأة........
شق صوتٌ أعرفه يناديني صمت الوادي
وبدد ألوان الطيف التي كنت انظر لها لألمح بدلا منه خيالا راكضا يتضح كلما اقترب صاحبه
فركت عيناي ونظرت أمامي
فإذا هي معالي راكضة نحوي وقد فتحت ذراعيها لي
كدت أن أفتح لها ذراعيي لولا أنني خفت أن أفقدها لتكون طيفا من جديد
لكنني أحسست بقبضة يديها على جسدي وأحسست حرارة أنفاسها ودموعها التي تتساقط على كتفي كادت تحرقيني
تهاوت قدماي فكدت اسقط لولا أن أختي تضمني
فأطبقت بيديّ على جسد أختي وضممتها بشدة وصرخت ثم انتحبت ثم
بكينا طويلا
أخبرتني معالي أنها هربت من منزل الرجل الغريب الذي رفضت بقوة أن يكون زوجا لها
فما هو إلا خاطف كعمي يخطف أرواح الصغار
كانت معالي أكثر قوة وهي تتحدث إلي
ثم قطعت على نفسها وعدا أنها لن تستسلم حتى لو لحقت بزاهرة
لم تكن تلك المرة هي الأخيرة لهروبها فقد كان عمي يعيدها بالقوة وكانت تعود أيضا هاربة
استمرت على هذا الحال فترة حتى ملّ زوجها فطلقها
وعادت إلى مرة أخرى لكن لم تلبث حتى خُطبت من شخص طيب وافقت عليه بعد أن أقنعوها به
رغم صغر سنها إلا أنها هذه المرة رضيت ذلك
لأن الرجل قريبنا ومشهود له بالخلق
أيضا كان منزله قريبا نوعا ما منزل عمي وهذا ما كانت تريده
كان شخصا كريما أكرمها وعاشت سعيدة معه وبقيت زوجة له حتى توفاه الله بعدما خلفت منه بنين وبنات
ولأن معالي صارت متزوجة فقد كانت لا تغادر منزلها وكنت أزورها من فترة لأخرى كلما سمحت لي الفرصة
حاولت كثيرا حتى تنقلني للعيش معها لكن محاولاتها باءت بالفشل
فبقيت عند عمي عبد الله المقيت
في أحد الأيام وكعادتي أجلس بجانب الشياة التي أراعاها غير مبالية بابتعادها
كنت أنظر لها ببرود
انقطع الطريق المعبد لينجلي لهم وادٍ عملاق تحتضنه أرض تهامة الحبيبة
كانت الحياة فيه غضّة في مهدها لم تدنسها يد المدنية المصطنعة
سهل حجري ممتد أفقه إلى مالا نهاية
لا يشقه سوى مجرى صغير قد جف معينه
تتناثر على أرجاءه منازل متواضعة قد تنافرت عن بعضها في غضب
وتنتصب خلاله أشجار السدر العملاقة التي تحتضن بعمق أعشاش العصافير المغردة
والسمر الحانية التي لازالت شامخة منذ تلك الأزمان الغابرة
وجبال شاهقة كادت تعانق السماء تسد الأفق تقبع في سكون لا يبدده سوى صرخات الطيور الجارحة التي استوطنت المكان منذ زمن بعيد عندما غادر تلك الديار معظم أهلها
رفعت عالية خمارها وهمست :
هذا هو وطني
صمت يخيم على الوادي وصمت يخيم في قلب عالية
وهدوء يلف الأرجاء لا يكتسحه سوى بزوغ ذكرى مؤلمة وخيال غابر لطفلة صغيرة تتراءى من بين الصخور
يلف جسدها النحيل ثياب بالية قد علقت ذرات الغبار بوجهها الشاحب
وعيناها الصغيرتان التي فقدت بريقها تحبس دمعتين متحجرتين
وشعرها المموج يظهر بخجل من تحت خمار ممزق مغبّر لُف بعفوية على رأسها
تسوق قطيعا وافرا من الأغنام
تركض هنا وهناك محيطة أغنامها بحرص شديد حتى لا تفقد منها شيء
كانت ترمق الصغيرات يتراكضن هنا وهناك وشفتاها تكشف عن ابتسامة ترفض أن ترتسم على ثغرها الصغير سرعان ما يبددها صراخ أغنامها
ليطبق ثغرها عن شكوى عريضة لقسوة الإنسان
عاد الهدوء من جديد ليخترقه هذه المرة دمعة حارقة هوت على وجنة عالية لاحظها عبد الرحمن في ذهول
فالآن فقط كان الجو مرحا
بادر عبد الرحمن أمه باستفهام قد رسم خلفه تعجبا يطلب تفسيرا:
ــ ما الذي أبكاك يا أم عبد الرحمن ؟!!!
غصّة عظيمة منعت حروفها من الانطلاق لبرهة سرعان ما بلعتها عالية لتسرد على ريحانة قلبها ذكريات طفولتها المعذبة
أحس عبد الرحمن رغبة أمه القوية للبوح فتأهب للإنصات
نظر لأمه يهز رأسه يستحثها على الحديث:
ـــ كلما مررت من هنا قفزت لذهني ذكريات طفولتي المؤلمة
كنا يا بني ثلاث شقيقات كلنا ننتمي لعالم الطفولة الذي لم نجده...
معالي التي كانت في التاسعة تقريبا وأنا في السابعة وزاهرة أصغرنا وكانت في الخامسة(رحمها الله )..
غصّة أخرى بلعتها عالية ثم أردفت :
ــ عشنا حياة اليتم وذقنا جميع ألوانه إن كان له ألوان رغم أني أخاله فقد كل ألوان الحياة
فقدنا حنان الأم الدافئ بعد ولادة زاهرة ولم تستطع ذاكرتنا أن ترسم لوالدتنا صورة سوى ما نراه في ملامح بعضنا
وما لبث والدي أن لحق بها سريعا
أذكر صورة ضبابية لوالدي يكتنفها غموض ملامحه وهو يحملني على كتفه متوجها بي للوادي ليملأ قربتنا وليحملها على كتفه الآخر
لم أعلم بموته إلا عندما فقدت لمساته ويداه التي طالما حملتني
كما أنني رأيت أختي معالي تسير باكية وأنا أتبعها مقلدة بكائها ثم أضحك عليها وهي تبكي
لم أكن أعرف ما معنى الموت ...
ما معنى الرحيل...
مامعنى اليتم ....
لاحقا عرفت ذلك
اللهم اغفر لي ولوالدي
تتدحرج من مقلتيها دمعتين حارقتين تبادر لمسحها بخمارها وتردف:
ــ بعد وفاة والدنا قرر أقربائنا أن ترعى كل عائلة طفلة منا
وهكذا فعلوا
ثم افترقنا
كلٌ إلى مقرها الجديد بعد أن فقدنا لحظات الدفء الشحيحة التي كان يوفرها لنا قربنا من بعضنا
كان عمي عبد الله هو المتكفل بي وهو الكبير في العائلة التي تعود له مقاليد الأمور
كان رجلا قاسيا جافا لم تعرف الرحمة إلى قلبه طريقا
أجبرنا نحن الثلاث على العمل حيث أوكل لكل واحدة منا قطيعا ترعاه
حتى أنه لم يرحم صغر سن زاهرة فجعل لها قطيعا أيضا
تداركنا الأمر وصرت أنا ومعالي نهتم بقطيع زاهرة
نغدو في الصباح الباكر ولا نعود إلا عندما تلقي شمس الأصيل خيوطها الذهبية على الوادي معلنة رحيل يوم آفل
وبالرغم من ذلك كنا نفرح كثيرا لأننا نعوض لحظات فراقنا ونحاول لملمة أشلاء أسرتنا الصغيرة الممزقة
رغم اليتم إلا أن هناك مساحات فرح ضيقة نمارسها
نقتطع وقتا وافرا للعب نركض معا في كل مكان
وأيضا لم نعدم يدا حانية تتلمسنا برأفة من فترة لأخرى هي يد خالي علي الذي كان دائما ما يجابه عمي من أجلنا
صحيح أنه لم يغير من حالنا شيء إلا أنه كان يحاول
أطلقت عالية لعينيها العنان فصارت مقلتها تموج بقطرات غزيرة تركت لها حرية الانحدار :
ــ تزوج عمي عبد الله بعد أن باع ممتلكاتنا التي ورثناها عن أبينا وهذا ما عرفناه فيما بعد
وضننا أن الأمر سيختلف
إلا أن عمي كان يزداد وحشية أكثر وأكثر
في أحد الأيام كنا نرعى أنا وأختاي
وفي لحظات لهونا البريئة تسلل أحدهم ليسرق أحد أغنام القطيع الذي تحرسه زاهرة الصغيرة بحثنا في كل مكان فلم نجد له أثرا ..
تمنينا لو أن شمس ذلك النهار لا تغرب لتكون أيام العمر كلها عشايا
لكن الشمس تلاشت رغما عنا مودعة ربما أو منكسرة
لا أعلم
لكننا أحسسنا أن الشمس تتكلم
لملمنا ما بقي من القطيع وسرنا به إلى منازلنا دون أن نخبر أحدا بما حدث
ونمنا ليلة قلقة أنا ومعالي يتراءى لنا المصير الذي ينتظرنا لو علم عمي عبدا لله بما حصل
غفونا رغما عنا
ولم نستيقظ إلا في صباح يوم جديد يحمل ألما جديدا
وكعادتنا توجهنا للمرعى نحن الثلاث تتهاوى أرجلنا بثقل على الأرض
إلا زاهرة فقد كانت مرحة كعادتها
لأنها لم تكن بذلك القدر من الوعي الذي يمكنها من قراءة مصيرها
لكننا ذلك اليوم أكثر حرصا وانتباها بعد أن حرّمنا على أنفسنا لحظات المرح التي كنا ننعم بها كل يوم
في عشية ذلك اليوم جاءنا أحدهم ليصطحب زاهرة فقد كان عمي عبد الله يطلبها
عرفنا أن الأمر قد كُشف وأن هناك عقابا شديدا ينتظر زاهرة المسكينة
جثونا أمامه باكيات نرفض تسليمها
وأمام ضعفنا سُحبت زاهرة من بين أيدينا قهرا نرمقها وترمقنا من بعيد
حتى اختفت
صمتت عالية قليلا لتلملم أشلاء نفسها المبعثرة ولتمسح سيلا متدفقا من الدموع يتصارع على وجنتيها
ــ وعندما ودعتنا شمس الأصيل عدنا لبيوتنا لنفاجأ بالناس أمامنا وهم يتهامسون بينهم بتمتمات لم نفهمها
وبعص النسوة يبكين وخاصة عندما وصلنا
وخالي علي تلمع عيناه بدموع نراها لأول مرة
لقد ماتت زاهرة ـ
انفجرت عالية تنتحب وكأن ذلك اليوم البئيس واقف أمامها تعيش أحداثه من جديد
هذه المرة استدعت دمعات غزيرة من مقلتي عبد الرحمن الواسعتان عسلية اللون والتي ورثها عن والده وبات يشاركها البكاء بصمت وقد ركّز عينيه على طريق ذلك الوادي المتوحش الذي يشقه مع إحدى ساكنيه يوما وادٍ مقيت يغتال بوحشية أرواح الأطفال الغضة
كان يود لو يقول لها كفى أماه فما عاد قلبي يقوى
لكنه ضل صامتا ينصت, ساكنا لا يحرّك إلا يداه على المقود ودموع تتدحرج على وجنتيه أعطاها هي الأخرى مطلق الحرية في ذلك
وبعد أن هدأت عالية قليلا تابعت :
ــ لا نعلم يا بني كيف رحلت تلك الليلة التي كانت تقبع على أرواحنا كأحد جبال هذا الوادي
فالآن فقط عرفت معنى الموت الذي يحرمك من الاستمتاع بلحظات الفرح مع من تحب
أصبحنا نخاف الموت حقا يا بني
أمام وحشية عمي لم نستطع سوى أن نمارس أعمالنا بصمت
رغم إحساس عنيف بالتمرد لكنه ظل مختبئا يخاف الظهور
هذه المرة ألحدنا مع زاهرة عالم الطفولة المرح وأهلنا عليه التراب ليموت مع أختي للأبد ولنلج باب حياة الشقاء والحزن التي ضننا أنها أبدية
رفضنا التسليم برحيل زاهرة
بحثنا عنها في كل مكان كانت تختبئ به عندما نلعب معا
حتى أننا كنا نبحث عن آثار أقدامها في الوادي ونتتبعها علها تحملنا إليها
لكن زاهرة لم تعد منذ ذلك اليوم
سارت الأيام ثقيلة كئيبة قد فقدنا لذة الإحساس بالحياة
نستقبل يوم جديد ونودع شمس آفلة
حتى عدنا ذات يوم لنفاجأ بعمي عبد الله يقف إلى جانب رجل غريب لم نعرفه
[center]عندما وصلنا جذب عمي يد معالي بقوة ودفعها لإحدى الغرف وسط ذهولنا
وبعد لحظة أُخرجت تحمل في يديها كومة صغيرة من الثياب التي دُحشت داخل قطعة قماش رُبطت بإحكام
طلب عمي من معالي الذهاب مع ذلك الرجل الذي تبين لاحقا أنه زوجها
معالي رفضت الانصياع لأوامر عمي فتوجه نحوها وجذبها بقوة حاملا إياها بعنف ثم رمى بها على ناقة كان قد جاء بها ذلك الرجل معه
كانت تصيح وتقاوم بشدة لكن عمي أوثقها بحبال غليظة لم تستطع إحلالها
واصطحب الرجل الغريب أختي وذهبوا
وهي تنتحب
وأنا صامتة
خدعت لفراشي تلك الليلة ونمت بعمق بعد أن بللت وسادتي بدموعي
مستسلمة لآلام آتية تقبع في رحم المجهول
في الصباح سُقت أغنامي وتوجهت للوادي وحيدة ودموعي تعاودوني من فترة لأخرى
كنت واجمة طوال الوقت أنظر للأفق دون أن أرى شيئا ولا أسمع شيئا وكأن الحياة قد فقدت ألوانها وحياتها هي أبضا
تراءى لي من الأفق طيف زاهرة ومعالي وأمي وأبي
يركضون نحوي وصدى ضحكاتهم يرددها كل جماد في ذلك الوادي المهيب
وفجأة........
شق صوتٌ أعرفه يناديني صمت الوادي
وبدد ألوان الطيف التي كنت انظر لها لألمح بدلا منه خيالا راكضا يتضح كلما اقترب صاحبه
فركت عيناي ونظرت أمامي
فإذا هي معالي راكضة نحوي وقد فتحت ذراعيها لي
كدت أن أفتح لها ذراعيي لولا أنني خفت أن أفقدها لتكون طيفا من جديد
لكنني أحسست بقبضة يديها على جسدي وأحسست حرارة أنفاسها ودموعها التي تتساقط على كتفي كادت تحرقيني
تهاوت قدماي فكدت اسقط لولا أن أختي تضمني
فأطبقت بيديّ على جسد أختي وضممتها بشدة وصرخت ثم انتحبت ثم
بكينا طويلا
أخبرتني معالي أنها هربت من منزل الرجل الغريب الذي رفضت بقوة أن يكون زوجا لها
فما هو إلا خاطف كعمي يخطف أرواح الصغار
كانت معالي أكثر قوة وهي تتحدث إلي
ثم قطعت على نفسها وعدا أنها لن تستسلم حتى لو لحقت بزاهرة
لم تكن تلك المرة هي الأخيرة لهروبها فقد كان عمي يعيدها بالقوة وكانت تعود أيضا هاربة
استمرت على هذا الحال فترة حتى ملّ زوجها فطلقها
وعادت إلى مرة أخرى لكن لم تلبث حتى خُطبت من شخص طيب وافقت عليه بعد أن أقنعوها به
رغم صغر سنها إلا أنها هذه المرة رضيت ذلك
لأن الرجل قريبنا ومشهود له بالخلق
أيضا كان منزله قريبا نوعا ما منزل عمي وهذا ما كانت تريده
كان شخصا كريما أكرمها وعاشت سعيدة معه وبقيت زوجة له حتى توفاه الله بعدما خلفت منه بنين وبنات
ولأن معالي صارت متزوجة فقد كانت لا تغادر منزلها وكنت أزورها من فترة لأخرى كلما سمحت لي الفرصة
حاولت كثيرا حتى تنقلني للعيش معها لكن محاولاتها باءت بالفشل
فبقيت عند عمي عبد الله المقيت
في أحد الأيام وكعادتي أجلس بجانب الشياة التي أراعاها غير مبالية بابتعادها
كنت أنظر لها ببرود
عدل سابقا من قبل في السبت ديسمبر 29, 2007 1:59 pm عدل 1 مرات
غيم الحجاز- شخصية محترمة
- عدد الرسائل : 24
نشاط العضو :
تاريخ التسجيل : 23/12/2007
قلوب يكسوها الثلج
ضربة قوية هوت على ظهري فجأة
فقدت بعدها الوعي لأفيق على زوجة عمي تريق الماء على وجهي وتهزني باكية لائمة:
حرام عليك
ألا تخاف الله
إنها يتيمة
كان عمي قد لاحظ عدم اهتمامي بأغنامه
فتناول عصا غليظة وهوى بها على ظهري دون أن أحس وجوده
وبقيت تلك الضربة شاهدة لأزمان طويلة على ظلم هذا الإنسان
نمت تلك الليلة وأنا أحاول كتم أنيني لكنني قد بيّت أمرا كنت عازمة على تنفيذه
وفي الغد سقت القطيع متوجهة للمرعى كالعادة
لكنني تركته خلفي وأطلقت ساقي وهربت
ركضت من أعلى الوادي وتابعت الركض حتى وصلت لبيت إحدى قريباتنا أسفل الوادي الطويل
تعودنا على مناداتها بأختي
كانت كبيرة متزوجة ولها أولاد
وعندما وصلت ناديتها :
ـــ عرين أخرجي أنا عالية
وعندما رأتني تغير لونها وسألتني بلهفة :
ــ عالية ما الذي حدث
عندها أطلقت لعيناي سيل الدموع الذي اعتدته منذ زمن
ورفعت قميصي لأريها تلك العلامة في جسدي
دهشت وسألت في لهفة وغضب :
ــ ماهذا ؟؟؟
فحكيت لها ما حصل
بكت كثيرا واستضافتني في بيتها وقد عزمت ألا تعيديني لعمي مهما حصل
كنت أسمع لومها لزوجها وهي تقول له:
ــ أرأيت ألم أقل لك
كان يريد قتلها كأختها
ألا يكفي زاهرة
الآن لن أتركها أبدا مهما حدث
حضر عمي لاصطحابي في اليوم التالي
واختبأت في إحدى الغرف
لكنني كنت أسمع الكلام الذي يدور في الخارج
أخيرا رحل عمي دون اصطحابي
وارتحت
بعد فترة من الزمن أحسست معه بدفء الأسرة الذي افتقدته منذ زمن رأى الجميع أن يرسلوني لإحدى قريباتنا لأن عمي لا يوافق على بقائي هنا
امرأة تسكن قرية كبيرة على أطراف المدينة
واتفق الجميع على أن ذلك هو الحل الأنسب لي
حزمت عرين كومة ثيابي وربطتها بإحكام ودموعها قد بللت تلك الكومة الصغيرة
كانت تريد الاحتفاظ بي لكنها فشلت
كنت أنظر بصمت للجميع
لكنني لم أبكي
كان فكري مشغولا بتخيل حياتي الجديدة
لم تتمكن معالي من توديعي
حصل كل شيء بسرعة
كما أنها لم تعلم برحيلي أساسا
وانتقلت للعيش في القرية
عند عمتي نائلة[center]كانت امرأة قد شارفت الأربعين
متزوجة ولها ولدان
كانوا يسكنون منزلا متواضعا
لكن حياتهم كانت أفضل بكثير من حياة الوادي
ورأيت في تلك القرية أشياء جديدة لم أعرفها من قبل
كانت سيدة طيبة عاملتني بمنتهى اللطف
معاملة أم لبنتها
بعد فترة اعتدت على جو المنزل
وزالت رهبة المكان
وانخرطت مع الأسرة كأحد أفرادها
كنت أساعدها في أعمال المنزل
وأذهب لأحضر الماء من البئر القريب من المنزل
كانت معالي تزورني لكن على فترات متباعدة
وأنا أيضا كنت أزورها كلما سمحت لي فرصة
مرت السنين وصرت صبية يافعة
في أحد الأيام كنت أحضر الماء من بئر القرية
حينما مر بجانبي شاب عرفت من ملامحه أنه ليس من القرية
نظر إلي ثم سألني :
ـــ يا صبية أمتزوجة ؟؟؟؟
ألجمني سؤاله لكنني عرفت مغزاه فأجبته:
اسأل أهلي وستعرف
وعدت أدراجي بسرعة
في ذلك الوقت لم نهتدي للحجاب الكامل الذي يكرم المرأة من رأسها لأخمص قدميها فيحيلها جوهرة مصونة عن أعين العابثين
فقط خمار نتوارث طريقة ارتدائه يغطي الرؤوس وثوب واسع طويل الأكمام
فقد كان رفع الكم في زمننا جريمة
وياليته بقي
أعلمتُ عمتي بما حصل فابتسمت وصمتت
في تلك الليلة طرق بابنا زائر غريب
إنه هو
وبعد أن أظهر حاجته استأذن وانصرف على أن يعود لاحقا
أجلستني عمتي بجانبها
وعرضت علي أمر الزواج
كنت مترددة
لكنها طمأنتني بأن هذا الرجل من قرية قريبة وقد جاء باحثا عن عمل
وقد عثر عليه في قريتنا
تتبعنا سيرته فأثنوا عليه
وكلّت لله أمري ووافقت متخوفة من أن أعود للجحيم مرة أخرى
تمت مراسم الزواج بعد أن عُمل لي عرس جميل
ضربت فيه الدفوف ثلاث أيام متتالية
زُفِفتُ بعدها إلى بيتي الجديد والذي كان قريبا من بيت عمتي
منذ اليوم الأول أحسست أن أبواب السعادة قد فُتّحت لي على مصاريعها
كان رجلا حنونا طيب القلب
هادئا كريما
أحتوى قلبي الصغير
وأغدق علي حنانا وحبا كنت أتوق لمثله
أحسست أن بيتي الصغير هو مملكتي لأول مرة
وعاهدت نفسي على الاعتناء به
مرت عدة سنين أنجبت فيها ثلاثة أبناء أجزلت عليهم حنانا كثيرا كنتُ قد حُرمت منه
حتى أنني لم أكن أحتمل بكاء أحدهم فكنت أبكي معه
كانت عمتي نائلة تساعدني بتربيتهم وتوجهني من فترة لأخرى
رحمها الله كانت أما حنون عوضني الله بها
عمي عبد الله
توفي لاحقا
ولا أخفيك فقد حزنت عليه
حزنت لأنه غادر الحياة ولم يكتشف لذة المشاعر فيها
فللرحمة لذة
وللحنان لذة
وللحب لذة
محروم من لم يذقها
يبدوا أن حياتي الهانئة قد محت من قلبي كرهه
كنت دائما أقول أن لله حكمة فيما يفعل سبحانه
( لا يُسأل عن شيء وهم يُسألون )
فقط ثق بربك
بعد فترة قرر زوجي أن يعود لقريته
حزمنا أمتعتنا وودعننا أهلنا وجيراننا
ورحلنا
قريته التي أكملت بها فصول سعادتي لم تكن بعيده ...
أصبح لي ستة أطفال
وطفلة جميلة أسميتها شهد فقد كان قلبي يراها تقطر شهدا حلوا
كم تلذذت بطعمه
أدخلتهم صروح العلم لينهلوا منه
كانوا متميزون في أخلاقهم وفي تحصيلهم
كبروا وجنيت مع أبيهم ثمار ما بذرناه
وصار كل منهم في عمله
وأحمد الله أن زوجي لم يتوفي حتى تخرّج أصغرهم والتحق بوظيفة مرموقة
جمعني الله به وموتانا في الفردوس الأعلى
وها أنا يا بني كما ترى أنعم بحمد الله بما منّ الله عليّ من كرم وعطايا
انتهت عالية من حديثها
بعد أن قذفت بكتل الحزن خارجا
كان وجهها يتفجر إشراقا وهي تختم حديثها
وكأن تلك الكلمات المؤلمة قد أذابت عن قلبها كومة من جليدٍ ربضت عليه دهرا طويلا
فاكتست بدلا من الثلج
سعادة
وحبورا
وتسامحا
ـــ انتهت ــــ
فقدت بعدها الوعي لأفيق على زوجة عمي تريق الماء على وجهي وتهزني باكية لائمة:
حرام عليك
ألا تخاف الله
إنها يتيمة
كان عمي قد لاحظ عدم اهتمامي بأغنامه
فتناول عصا غليظة وهوى بها على ظهري دون أن أحس وجوده
وبقيت تلك الضربة شاهدة لأزمان طويلة على ظلم هذا الإنسان
نمت تلك الليلة وأنا أحاول كتم أنيني لكنني قد بيّت أمرا كنت عازمة على تنفيذه
وفي الغد سقت القطيع متوجهة للمرعى كالعادة
لكنني تركته خلفي وأطلقت ساقي وهربت
ركضت من أعلى الوادي وتابعت الركض حتى وصلت لبيت إحدى قريباتنا أسفل الوادي الطويل
تعودنا على مناداتها بأختي
كانت كبيرة متزوجة ولها أولاد
وعندما وصلت ناديتها :
ـــ عرين أخرجي أنا عالية
وعندما رأتني تغير لونها وسألتني بلهفة :
ــ عالية ما الذي حدث
عندها أطلقت لعيناي سيل الدموع الذي اعتدته منذ زمن
ورفعت قميصي لأريها تلك العلامة في جسدي
دهشت وسألت في لهفة وغضب :
ــ ماهذا ؟؟؟
فحكيت لها ما حصل
بكت كثيرا واستضافتني في بيتها وقد عزمت ألا تعيديني لعمي مهما حصل
كنت أسمع لومها لزوجها وهي تقول له:
ــ أرأيت ألم أقل لك
كان يريد قتلها كأختها
ألا يكفي زاهرة
الآن لن أتركها أبدا مهما حدث
حضر عمي لاصطحابي في اليوم التالي
واختبأت في إحدى الغرف
لكنني كنت أسمع الكلام الذي يدور في الخارج
أخيرا رحل عمي دون اصطحابي
وارتحت
بعد فترة من الزمن أحسست معه بدفء الأسرة الذي افتقدته منذ زمن رأى الجميع أن يرسلوني لإحدى قريباتنا لأن عمي لا يوافق على بقائي هنا
امرأة تسكن قرية كبيرة على أطراف المدينة
واتفق الجميع على أن ذلك هو الحل الأنسب لي
حزمت عرين كومة ثيابي وربطتها بإحكام ودموعها قد بللت تلك الكومة الصغيرة
كانت تريد الاحتفاظ بي لكنها فشلت
كنت أنظر بصمت للجميع
لكنني لم أبكي
كان فكري مشغولا بتخيل حياتي الجديدة
لم تتمكن معالي من توديعي
حصل كل شيء بسرعة
كما أنها لم تعلم برحيلي أساسا
وانتقلت للعيش في القرية
عند عمتي نائلة[center]كانت امرأة قد شارفت الأربعين
متزوجة ولها ولدان
كانوا يسكنون منزلا متواضعا
لكن حياتهم كانت أفضل بكثير من حياة الوادي
ورأيت في تلك القرية أشياء جديدة لم أعرفها من قبل
كانت سيدة طيبة عاملتني بمنتهى اللطف
معاملة أم لبنتها
بعد فترة اعتدت على جو المنزل
وزالت رهبة المكان
وانخرطت مع الأسرة كأحد أفرادها
كنت أساعدها في أعمال المنزل
وأذهب لأحضر الماء من البئر القريب من المنزل
كانت معالي تزورني لكن على فترات متباعدة
وأنا أيضا كنت أزورها كلما سمحت لي فرصة
مرت السنين وصرت صبية يافعة
في أحد الأيام كنت أحضر الماء من بئر القرية
حينما مر بجانبي شاب عرفت من ملامحه أنه ليس من القرية
نظر إلي ثم سألني :
ـــ يا صبية أمتزوجة ؟؟؟؟
ألجمني سؤاله لكنني عرفت مغزاه فأجبته:
اسأل أهلي وستعرف
وعدت أدراجي بسرعة
في ذلك الوقت لم نهتدي للحجاب الكامل الذي يكرم المرأة من رأسها لأخمص قدميها فيحيلها جوهرة مصونة عن أعين العابثين
فقط خمار نتوارث طريقة ارتدائه يغطي الرؤوس وثوب واسع طويل الأكمام
فقد كان رفع الكم في زمننا جريمة
وياليته بقي
أعلمتُ عمتي بما حصل فابتسمت وصمتت
في تلك الليلة طرق بابنا زائر غريب
إنه هو
وبعد أن أظهر حاجته استأذن وانصرف على أن يعود لاحقا
أجلستني عمتي بجانبها
وعرضت علي أمر الزواج
كنت مترددة
لكنها طمأنتني بأن هذا الرجل من قرية قريبة وقد جاء باحثا عن عمل
وقد عثر عليه في قريتنا
تتبعنا سيرته فأثنوا عليه
وكلّت لله أمري ووافقت متخوفة من أن أعود للجحيم مرة أخرى
تمت مراسم الزواج بعد أن عُمل لي عرس جميل
ضربت فيه الدفوف ثلاث أيام متتالية
زُفِفتُ بعدها إلى بيتي الجديد والذي كان قريبا من بيت عمتي
منذ اليوم الأول أحسست أن أبواب السعادة قد فُتّحت لي على مصاريعها
كان رجلا حنونا طيب القلب
هادئا كريما
أحتوى قلبي الصغير
وأغدق علي حنانا وحبا كنت أتوق لمثله
أحسست أن بيتي الصغير هو مملكتي لأول مرة
وعاهدت نفسي على الاعتناء به
مرت عدة سنين أنجبت فيها ثلاثة أبناء أجزلت عليهم حنانا كثيرا كنتُ قد حُرمت منه
حتى أنني لم أكن أحتمل بكاء أحدهم فكنت أبكي معه
كانت عمتي نائلة تساعدني بتربيتهم وتوجهني من فترة لأخرى
رحمها الله كانت أما حنون عوضني الله بها
عمي عبد الله
توفي لاحقا
ولا أخفيك فقد حزنت عليه
حزنت لأنه غادر الحياة ولم يكتشف لذة المشاعر فيها
فللرحمة لذة
وللحنان لذة
وللحب لذة
محروم من لم يذقها
يبدوا أن حياتي الهانئة قد محت من قلبي كرهه
كنت دائما أقول أن لله حكمة فيما يفعل سبحانه
( لا يُسأل عن شيء وهم يُسألون )
فقط ثق بربك
بعد فترة قرر زوجي أن يعود لقريته
حزمنا أمتعتنا وودعننا أهلنا وجيراننا
ورحلنا
قريته التي أكملت بها فصول سعادتي لم تكن بعيده ...
أصبح لي ستة أطفال
وطفلة جميلة أسميتها شهد فقد كان قلبي يراها تقطر شهدا حلوا
كم تلذذت بطعمه
أدخلتهم صروح العلم لينهلوا منه
كانوا متميزون في أخلاقهم وفي تحصيلهم
كبروا وجنيت مع أبيهم ثمار ما بذرناه
وصار كل منهم في عمله
وأحمد الله أن زوجي لم يتوفي حتى تخرّج أصغرهم والتحق بوظيفة مرموقة
جمعني الله به وموتانا في الفردوس الأعلى
وها أنا يا بني كما ترى أنعم بحمد الله بما منّ الله عليّ من كرم وعطايا
انتهت عالية من حديثها
بعد أن قذفت بكتل الحزن خارجا
كان وجهها يتفجر إشراقا وهي تختم حديثها
وكأن تلك الكلمات المؤلمة قد أذابت عن قلبها كومة من جليدٍ ربضت عليه دهرا طويلا
فاكتست بدلا من الثلج
سعادة
وحبورا
وتسامحا
ـــ انتهت ــــ
غيم الحجاز- شخصية محترمة
- عدد الرسائل : 24
نشاط العضو :
تاريخ التسجيل : 23/12/2007
رد: قلوب يكسوها الثلج
قلوب يكسوها الثلج ..أفضل من قلوب يكسوها الصداء !
القصة طويلة ونا مافيني اقراء ! ما تتلخص !؟؟
تحياتي لك ..
القصة طويلة ونا مافيني اقراء ! ما تتلخص !؟؟
تحياتي لك ..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى